في لقاء متلفز مع أحد قادة حماس في الخارج قبل أشهر، قال: إنَّ الإخوة في الداخل -أي قادة حماس في غزة- حريصون على إعطاء النموذج الصحيح للحكم الإسلامي.
وقبل أسابيع قال مسئول العلاقات الخارجية في مجلس الشعب المصري: لن نسمح بقيام إمارة إسلامية بجوار مصر.
وفي قراءة عاجلة للعبارتين يستطيع أي واحد منا الإجابة عن التساؤل الذي طرحناه في العنوان: لماذا هذا التآمر على غزة؟!
إنَّ حكومة حماس لا تشكل بالنسبة لكثيرٍ من الأطرافِ مُجَرَّدَ حَركةِ مُقاومة، أو مشروع تحرُّرٍ وطني، أو حِزبًا إسلاميًّا، أو حتى جماعةً إرهابيةً، أو منظمةً مرتبطة بالخارج!
إنَّ حكومة حماس تشكل مشروعًا إسلاميًّا يسعى إلى بلورة الإسلام واقعًا ملموسًا على أرض فلسطين، وليس المقاومة فقط، وإلا لبقيت حماس في صفوف المقاومة، ولم تخطُ خطوة واحدة للعمل في الواقع السياسي للشعب الفلسطيني، عن طريق مشاركتها بالانتخابات بِزَخَمٍ مَكَّنَهَا من تشكيل الحكومة، ولكان حالها كحال جماعة الجهاد مثلًا، التي ابتعدت عن المشاركة السياسية.
هذا المشروع الإسلامي الضخم الذي سعت حماس إلى تحقيقه سعتْ إليه جماعات الجهاد الأفغاني مِنْ قبلُ، فلما كادت تصل إليه أجهضت خطواتها عن طريق الاقتتال الدامي بين مَن سُمُّوا بأمراء الحرب.
ومع استمرار هذا السَّعْيِ خرج على الرغم من شدة الضغط نظامٌ غير واعٍ، حكَمَ أفغانستان بعيدًا عن التخطيط وترتيب الأولويات، إلى أن تم التخلص منه، وعادت أفغانستان إلى حمام الدم.
وهو نفسه المشروع الذي سعت إليه جبهة الإنقاذ في الجزائر عبر صندوق الانتخابات، فأُجْهِض قبل أن يولد بانقلاب دموي، ما زالت الجراح التي نكأها تَنْزِفُ إلى يومنا هذا، حارمةً الجزائر وأَهْلَهُ من خطوة إلى الأمام.
إنه المشروع الذي لا يراد له عالميًّا أن يكون، بل أن لا يولد، والذي خوفًا من ولادته في قلب أوروبا قُسِّمَت البوسنة والهرسك، وسُلِبَ من أهلها المسلمين الحكمُ، عبر صيغة طائفية، قسمت السلطة، وضيعت هوية البلاد الأصلية.
لقد حاولوا مع حماس ما طبقوه في أفغانستان فلم يُفْلِحوا، وحاولوا إجهاضَ المشروع عبر الداخل الفلسطيني من خلال قادة الأجهزة الأمنية في غزة قبل الحسم، فجاء الحَسْمُ فخلط لهم جميع أوراقهم، فعاملوا غزة كما عاملوا عراق صدام، عن طريق الحصار والتجويع، متناسين الفرق بين الأيديولجيتين، والتَّجَذُّر الذي تشكله حماس في الشعب، مما وَلَّد التفافًا حول حماس، بدلًا من أن ينفض الناس من حولها، فازدادت صلابة وقوة.
فأكدوا على الفرقة والخلاف، ومنعوا أي محاولة للمصالحة، حتى لما تُوصِّل لاتفاق في اليمن تَمَلَّصَ منها الطرف الآخر قبل أن يَجِفَّ الحبر الذي كُتِبَ به، متناسيًا واجبه أمام الله وأمام الناس.
فشددوا الحصار بعد ذلك، ومن يوم أن شددوا الحصار عَلِمَ كل عميقِ النظر أنَّ الخيار العسكري ومحاولة الاجتثاث قادمان، وهو ما تواطأت عليه كل الأطراف، الذين لا يرغبون بالمشروع الإسلامي الذي تمثله حماس.
خلاصة ما يريد هذا المقال تقريره أنَّ هذه الحرب المشنونة على غزة، ليس الهدف منها المقاومة فحسب، أو غزة بأهلها وشعبها وجندها فحسب، أو حماس كمنظمة مهما صُنِّفَتْ فحسب.. إن هدف هذه الحرب القضاء على المشروع الإسلامي الذي تمثله حماس.
فالانحياز إلى غزة وأهلها- علاوةً على أنه انحياز إلى المظلوم، وانحيازٌ إلى الإنسانية- هو انحياز للعدل والنزاهة التي يمثلهما المشروع الإسلامي.
فمن كان في خندق غزة كان في فسطاط الإيمان وأهله، ومن كان في الجانب المعادي كان في فسطاط النفاق وأهله.
قبل أن أختم، لعل سائلًا يسأل: هل ما حل بالمشروعات التي مثلنا بها في هذا المقال سيَحُلُّ بغزة وحماس؟
إن ظنَّ كاتِبِ هذا المقال أنّ الأمور ستكون لصالح حماس، فهذا أملنا بالله -عز وجل-، ولو -لا قَدَّر الله- جاءت النتائج سيئة، فالأوضاع ستتغير بما يصب في مصلحة مشروع الإسلام، وخاصة بعد أن انكشف الغطاء، وبان كل شيء، واستبانت سبيل المجرمين.
لقد عانينا من غبش في الرؤية منذ أحداث سبتمبر 2001م، ولعل من أعظم الفوائد التي ستجنيها الأمة من جراء ضرب غزة وُضُوحَ الرؤية، فغزةُ وأحداثها ستكون البوصلة التي ترينا طريق التغيير الذي ننشده جميعًا، ولا نجد له سبيلًا.