إرسال إلى صديق طباعة أضف تعليق حفظ

وقفات مع القائلين بجواز اختيار جنس الجنين

اختيار جنس الجنين..!

السبت 10 محرم 1429 الموافق 19 يناير 2008  
اختيار جنس الجنين..!
أ. د. عبد الله بن حمد الغطيمل

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد:
فمع التقدم المذهل في شتى العلوم برزت في هذا العصر مسألة اختيار جنس الجنين، وتوصيفها بشكل مختصر ومبسط أن علماء الطب قد توصلوا إلى سبب الإذكار و الإيناث في جنين الإنسان، وتوصيفه أن بويضة المرأة تحمل صبغة (x) وماء الرجل يحمل صبغتين (x) و (y) فإذا لقحت بويضة المرأة بحيوان منوي(x) خلق المولود أنثى. و إذا لقحت بحيوان منوي (y) خلق المولود ذكرا.
ولما توصلوا إلى هذا السبب وعرفوه انتقلوا إلى مرحلة ثانية، وهي دعوى قدرتهم على اختيار جنس الجنين، وذلك عن طريق التخصيب الداخلي أو الخارجي بإحدى صبغتي الرجل (x) و(y)، فمن يرغب في ذكر يخصب له بالصبغة (y)، ومن يرغب في أنثى يخصب له بالصبغة (x)، وقالوا إن نسبة نجاح التخصيب والعلوق (25%) فإذا تم التخصيب والعلوق كانت نسبة النجاح (99%)، وقالوا إن هذا لا ينافي الإرادة الإلهية، بل هو من جملة الأسباب، وقد انقسم الفقهاء المعاصرون في ذلك على قولين:أحدهما يمنع ذلك, والآخر يجيزه.
أما من منع ذلك فلا أناقشهم حيث أتفق معهم في المنع، وإن اختلفت معهم في المأخذ كما سيتضح من الإيرادات التالية بإذن الله تعالى، أما من أجاز هذا العمل فلي معهم عدة وقفات:
الوقفة الأولى: إذا سلمنا أن هذا سبب من الأسباب مثل تناول الأدوية حال المرض, أو طفل الأنابيب الذي قال بجوازه مجمع الفقه الإسلامي بضوابطه (مع ما سأورده من الفارق بين هذا و بين طفل الأنابيب لاحقا) أقول لو سلمنا أن هذا سبب من الأسباب فإنه سيكون وسيلة من وسائل الشرك بالربوبية، مع أن توحيد الربوبية لم ينازع فيه حتى كفار العرب، ذلك أن العامة في حال نجاح العملية وهي لن تخرج مطلقا عن إرادة الله سيتعلقون بهذا الطبيب، ويعتقدون قدرته على اختيار جنس الجنين وهذا محال وهم لا يعلمون أن البشر "لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب" وسد ذرائع الشرك مازال مطلباً عريضاً للعلماء هذا إذا سلمنا بإمكان ذلك فكيف إذا كان مجرد إيهام بالقدرة عليه.
الوقفة الثانية: أن تسمية هذه العملية (اختيار جنس الجنين) يوحي بأن هذا أمر قد فرغ منه، وقد كُتِبتْ أبحاث بهذا العنوان وبعناوين أخرى مثل: كيف تختار جنس جنينك ونحو ذلك يعني أنه لم يبق سوى الاختيار، أما العملية فهي ممكنة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
الوقفة الثالثة: من قال من الباحثين بأن هذا سبب من الأسباب وبنى عليه قوله بالجواز اعترف ضمنا بأن المسألة لم تعد سببا، وأن اختيار جنس الجنين أصبح أمرا واقعا، ذلك أنهم قد رَدُّوا على من يقول بأن اختيار جنس الجنين قد يسبب عدم التوازن في المجتمع، فقد يكثر عدد الذكور أو عدد الإناث في المجتمع والعادة أن النسبة بين (50%) إلى (51%إ) قال المجيزون هذا يمكن علاجه بمنع استعمال هذه التقنية على مستوى الدولة، وجعلها على مستوى الأفراد وهذا يمنع الإخلال بالتوازن.
حتى المانعون كان هذا من جملة أدلتهم، وهم إنما منعوا لأن قد يخل بالتوازن أليس هذا انتقالا من السبب إلى القدرة، واعترافا بأن هذا أصبح بمقدور العباد؟! و مما يؤكد ذلك أن أحد الباحثين و هو الأستاذ الدكتور ناصر الميمان قد قال ما نصه : "لكن إذا كانت النسبة قد بلغت (90%) في الوقت الراهن فلا يستبعد أن تبلغ في المستقبل (100%) مع تقدم العلم و زيادة التجارب و الخبرات و تطوير الوسائل و الأدوات" . انظر بحثه في حكم اختيار جنس الجنين. قلت: و ماذا بقي من نسبة الإرادة لله؟!!!
ثم قلت: كيف نسلم بأن هذه العملية تخل بالتوازن في المجتمع و نجيزها و نضع الاحتياطات لعدم إخلالها بالتوازن، وقد جاء في أحاديث صحيحة، كما ذكره الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان و نسبه إلى القرطبي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طرق متعددة: أن الله قد مسح ظهر آدم عليه السلام فأخرج ذريته على هيئة الذر و أشهدهم على أنفسهم .ا.هـ و ذلك يفيد أن الله عَِلم الناس ذكوراً و إناثاً، و علم عددهم و نسبهم حتى قيام الساعة، فكيف يجيء مخلوق و يخل بالتوازن فيقلل و يُكَّثّر حسب دعوى من ادعى وتسليم من سَلَّم؟!
الوقفة الرابعة: إذا كان الزوجان خاليين من موانع الإنجاب، والزوجة تحمل ذكرا أو أنثى، وتضع بسبب يفعله الزوج والزوجة وهو الجماع، وكنا نؤمن أنه لن يكون في أمر الله إلا ما يريد فلماذا لا نكتفي بهذا السبب وهو إيصال ماء الرجل إلى رحم المرأة والله يخلق ما يشاء ويختار، ولن يعمل الطبيب حسب زعمهم أكثر من هذا وهو فعل مثل هذا السبب، لكنهم يذهبون إلى فعل سبب أكثر من فعل الرجل وهو اختيار الحيوانات الذكورية ( y ) والتخصيب بها فقط، وحجب دخول الحيوانات الأنوثية (x) حتى لا تخصب، وهل هذا إلا معاندة لأمر الله وإرادته مع أن الله لا يعجزه شيء ولا يغالبه أحد، ولن يكون في أمره إلا ما يكون (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ولولا أنهم يعتقدون أن لهم فعلاً وليس مجرد سبب لما حجبوا صبغة (x) مثلا ولقحوا بـ(y).
الوقفة الخامسة: ماهي الحاجة أو الضرورة الداعية لمثل هذا العمل مع أن الزوجين يولد لهما ذكور أو إناث؟
قالوا: ندخل الفرحة و السرور عليهما.
قلت: وهل هذا مقصد يجيز كشف العورات المغلظة, وتكبيد الزوجين خسائر مالية كبيرة في بذل أسباب -إذا سلمنا بها وبجوازها، وحملنا القائلين بها على الاعتقاد الصحيح- قد تنجح أولا تنجح لأن الأمر كله لله.
الوقفة الخامسة: قياس اختيار جنس الجنين على طفل الأنابيب هذا قياس لا يصح؛ لأن طفل الأنابيب ليس أصلا بل هو مجتهد فيه ومحتاج إلى دليل، بل ليس مجمعاً على القول بجوازه، و من قال بالجواز قيده بحال الضرورة فلا يستدل به ولا يقاس عليه، ولو قلنا بصحة القياس جدلاً فهو قياس مع الفارق؛ لأن طفل الأنابيب إنما هو علاج لحالة مرضية في الزوج أو الزوجة كسائر الأمراض، وبذل الأسباب في علاج الأمراض جائز بل مطلوب، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (تداووا يا عباد الله ولا تتداووا بحرام) وقال: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله) والحصول على الذرية مطلب فطر الله عليه الناس حتى الأنبياء عليهم السلام دعوا ربهم وتضرعوا إليه ليرزقهم الذرية بخلاف اختيار جنس الجنين لو سلمنا بجوازه، فإن الزوجين قد رزقهما الله صنفا وهو أعلم بحالهما وما يصلح لهما، وقد يستبطئ الزوجان هذا ثم يحصل لهما، وكم من زوجين ولد لهما تسع بنات ثم جاء العاشر ولدا أو بالعكس، ولعل الدعاء في مثل هذه الحالة والتضرع إلى الله هو أكمل الأسباب وأجلها وأعظمها نفعاً.
خلاصة الرأي:
عدم جواز الإقدام على هذه العملية، و عدم جواز الترويج لها بأن هذا سبب من الأسباب – للأمور التالية:
1- أنه إذا صحت النية بأن هذا سبب من الأسباب فالسبب الذي يعمله الزوج و الزوجة من إيقاع الجماع يكفي عنه، ويقي من الوقوع في محاذير كثيرة منها كشف العورات المغلظة, و تحميل الزوجين خسائر مالية كبيرة دون فائدة, و أعظم المحاذير و أشدها خطراً كونه وسيلة للشرك بالله، حيث إن المرأة لو حملت بما اختارت بإرادة الله كان وسيلة من وسائل الشرك، حيث يعتقد الزوجان أن للطبيب الذي باشر العملية شيئاً من القدرة، و هذا مشاهد ملموس في عصرنا هذا في الدعايات التي تعملها المستشفيات و مراكز تقنية أطفال الأنابيب، حيث يصورون الطبيب يحمل مولوداً كأنه هو الذي قام بخلقه ليهديه إلى كل عقيم، ومعلوم لدى العقلاء أثر ذلك في نفوس العامة.
2- أن كشف العورة المغلظة لا يجوز إلا للضرورة و الحاجة، وليس الحصول على جنس الذكور أو الإناث ضرورة أو حاجة، بل الإنسان مخاطب بالرضا بما قسم الله له و حَمْدِ لله على كل حال, و من رزقه الله بالذكور أو الإناث فلينظر إلى من دونه و هو من لم يرزق بواحد منهما و هو (العقيم) و لينظر إلى من رزق بطفل مشوه أو معاق و ليحمد الله على ما رزقه و يرضى بما اختار له "ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير".
3- أنا لا نسلم بأن هذا مجرد سبب و الباقي موكول لإرادة الله كما يدعون، حيث لو كان الأمر كذلك فلماذا يلقحون بالصبغة التي يريدون مثلاً (y) و يحجبون الصبغة التي لا يريدون مثلاً الصبغة (x) حيث إنك إذا وكلت الإرادة إلى غيرك فلا تختار له فمثلاً "و لله المثل الأعلى" إذا رغبت في تخيير إنسان و جعلت الأمر لإرادته و اختياره فإنك ستخيره بين شيئين أو أشياء و هو يختار أحده, لكن إذا وضعت له شيئاً واحداً و قلت له: اختر فماذا يختار؟! إذن أنت غير صادق في تخييره و جعل الإرادة له.
لكن هذه العمليات ما هي إلا إيهام بأنها أسباب الهدف منه ابتزاز الناس، حيث إن نتائجها توافق هوى النفوس.
و الله من وراء القصد، وأدعوه أن يجعل ما خطه قلمي آنفاً خالصاً صواباً، فإنه إن يكن كذلك فمنه وحده لا شريك له، وإن يكن غير ذلك فمن نفسي والشيطان والله ورسوله بريئان منه، وأستغفر الله وأتوب إليه. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم توزيع هذه الورقة في جلسة المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة و الخاصة بمناقشة موضوع (اختيار جنس الجنين) و ذلك في الدورة التاسعة عشرة للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقدة في مكة المكرمة في الفترة من 22 – 27/10/1428هـ الموافق 3- 8/11/2007 م و قد وافق أن كان كاتب هذه الوقفات مقرراً للجلسة و كانت أغلب الأبحاث تميل إلى القول بجواز اختيار جنس الجنين مع بعض الضوابط و كان قرار المجمع بعدم الجواز إلا في حالة الضرورة في الأمراض الوراثية بين الزوجين فالحمد لله على الوفاق و الاتفاق وصلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين

إرسال إلى صديق طباعة أضف تعليق حفظ

تعليقات الفيسبوك

الآراء المنشورة لاتعبر عن رأي موقع الإسلام اليوم أو القائمين عليه.
علما بأن الموقع ينتهج طريقة "المراجعة بعد النشر" فيما يخص تعليقات الفيسبوك ، ويمكن إزالتها في حال الإبلاغ عنها من قبل المستخدمين من هنا .
مساحة التعليق تتسع لمناقشة الأفكار في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
  • - الهجوم على أشخاص أو هيئات.
  • - يحتوي كلمة لا تليق.
  • - الخروج عن مناقشة فكرة المقال تحديداً.

تعليقات الإسلام اليوم

التعليقات

  1. 1 - طالب
    ًصباحا 09:42:00 2009/12/01

    جزاكم الله خيرا

  2. 2 - ام عبدالله
    مساءً 10:17:00 2009/03/20

    طيب حالتي جزاكم الله خير كنت انوي ان اقوم بهذه العمليه مع ايقاني واقتناعي بانها سبب من الاسباب ولو لم يرد الله لي ولد لن انجبه مادمت حيه اعاني من جلطات ولله الحمد وعندي اربع بنات اعاني في فترة الحمل من انفصال في عظام ومفاصل الحوض لدرجة انني اصبح مقعده لااستطيع المشي حتى بلغ الامر ان الاطباء قرروا لي عمليه ربط للمبايض لعدم الانجاب بتاتا لكني رفضت اعتقدان الصوره اصبحت واضحه انوي ان اقوم بعملية حقن مجهري ومحاولة انجاب ذكر بعد مشيئة الله افتوني

الصفحة 1 من 1