الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: أختي العزيزة أنت تعانين من أحد اضطرابات القلق، وهو ما يطلق عليه (الوسواس القهري) ولأن هذا الاضطراب غالبا ما تكون أفكاره مرتبطة بالعقيدة يعقبه الاكتئاب الشديد والتفكير في الانتحار، وهو ما أنت فيه حاليا، وأطمئنك أختاه بأنه مرض، والله لا يحاسبنا على ما يجول في خاطرنا من أفكار.. قال تعالى: "ليس على المريض حرج" فهوني عليك ما أنت فيه، ويكفيك معاناة المرض وصعوبته، فلا تزيدي عليه ما يلقيه الشيطان في بالك من أفكار تتعلق بأن الله لن يسامحك وغيرها. وتعالي لنعرف هذا المرض أكثر: يتكون الاضطراب من جزئين رئيسين: 1. الوساوس المسيطرة Obsessions: وتتميز بأربعة أشياء: - فكرة معينة تسيطر على التفكير. - هذه الأفكار لا تكون لها صلة بالمشكلات التي يتعرض لها المريض. - محاولة مجاهدة النفس لتجاهل هذه الأفكار ونسيانها، وعدم تكرار الفعل، مما يشكل ضغطاً نفسيًا عليه (حيث يدرك مريض الوسواس أن هذه الأفكار لا أساس لها من الصحة، بعكس مريض الفصام الذي يعتقد بصحة أفكاره). - يعي المريض تماماً بأن هذه الأفكار نابعة منه هو وليس لأي شخص آخر دخل بها. الصور المشهورة للاضطراب. - وساوس الأفكار وهي الموجودة لديك: سيطرة فكرة معينة على ذهن المريض، وغالباً ما تكون فكرة غير مقبولة، كسيطرة مقطع من بيت شعر أو نغمة موسيقية أثناء الصلاة أو العمل، أو الفكرة التي تسيطر على الأم من أن ابنها المسافر في خطر، أو أن الأبواب غير مقفلة، أو صنابير المياه غير محكمة، أو أنبوبة الغاز بها تسرب. وساوس الاجترار: تسيطر على المريض أسئلة متكررة لا يستطيع الإجابة عنها كسيطرة (من خلق الله؟) لماذا أكل آدم التفاحة؟. ولماذا نعيش؟، لماذا نموت؟، لماذا أبي هذا وليس غيره؟، أسئلة لا نهاية لها، والمريض لا يستطيع الإجابة عنها أو التخلص منها. 2. الفعل الإجباري (القهري) Compulsions: - تكرار هذا الفعل لعدة مرات على الرغم من رغبة المريض بإيقاف هذا الفعل، إلا أن الرغبة لتكرار الفعل أقوى منه، مثل تكرار غسيل اليدين عدة مرات على الرغم من نظافتها، أو تكرار عد رقم معين وإعادته في العقل لمرات عديدة دون ضرورة لذلك. - يحاول المريض أن يتخلص من هذه الأفكار بصفة مستمرة، وكلما أجبر نفسه على إيقاف هذا الفعل يتعرض لضغط نفسي عنيف مما يؤدي به إلى معاودة الفعل مرة أخرى. بعض الأعراض والتصرفات قد تشمل على الآتي: • التأكد من الأشياء مرات ومرات، مثل التأكد من إغلاق الأبواب والأقفال والمواقد.. الخ. • القيام بعمليات الحساب بشكل مستمر "في السر" أو بشكل علني أثناء القيام بالأعمال الروتينية. • تكرار القيام بشيء ما عددًا معينًا من المرات. عدد مرات الاستحمام أو الغسيل. • ترتيب الأشياء بشكل غاية في التنظيم والدقة، بشكل غير ذي معنى لأي شخص سوى المصاب بالوسوسة. • الصور التي تظهر في الدماغ وتعلق في الذهن ساعات طويلة، وعادة ما تكون هذه الصور ذات طبيعة مقلقة. • الكلمات أو الجمل غير ذات المعنى التي تتكرر بشكل مستمر في رأس الشخص. • التساؤل بشكل مستمر عن "ماذا لو"؟ • تخزين الأشياء التي لا تبدو ذات قيمة كبيرة، كأن يقوم الشخص بجمع القطع الصغيرة من فتل الكتان من مجفف الثياب. • الخوف الزائد عن الحد من العدوى، كما في الخوف من لمس الأشياء العادية بسبب أنها قد تحوي جراثيم. وهو ليس بالمرض النادر؛ حيث أشارت دراسات كثيرة إلى أنه يمثل ما بين 2% و3% أي من شخصين إلى ثلاثة من كل مائة شخص. وللمسلمين باعٌ طويلٌ في هذا الاضطراب، ولقد كتب عدد من العلماء في الوسواس مثل الإمام الجويني في كتابه التبصرة في الوسوسة، والإمام النووي في المجموع شرح المهذب، وأبي حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، والإمام ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس، وكذلك الإمام ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان. العلاج: ويشمل العلاج ثلاثة أشياء هي: العلاج الدوائي Pharmacotherapy، العلاج السلوكي Behavioral therapy، العلاج الجماعي Group therapy. أولاً: العلاج الدوائي Pharmacotherapy: وذلك عن طريق استخدام مضادات الاكتئاب، ويحتاج المريض إلى استخدام نوع واحد من مضادات الاكتئاب، وفي الحالات الشديدة يستخدم أكثر من نوع مع بعض، ويبدأ أثر العلاج في الظهور بعد حوالي من 6-10 أسابيع من العلاج المنتظم. ثانياً: العلاج السلوكي Behavioral therapy: يتم العلاج السلوكي بمساعدة الأخصائي النفسي فيما يعرف بالعلاج الإدراكي Cognitive behavioral therapy (CBT) وذلك عن طريق تعريض المريض للمؤثر الذي يدفعه لتكرار الفعل مع محاولة تقليل تكرار الفعل تدريجياً، مثال ذلك إذا كان المريض معتادًا على غسل يده 40 مرة فيغسلها 20 ثم 10 ثم 5 مع ترك المكان عقب هذا العدد، ومحاولة الاسترخاء بعدها، وعدم العودة مرة أخرى حتى يتخلص المريض من هذا السلوك تدريجياً، مع عمل تمارين للاسترخاء Relaxation techniques. أنصحك أختاه بالتوجه من فورك للعلاج عند طبيب نفسي بأسرع وقت للسيطرة على المرض.. عافاك الله وأعانك على استمرار العلاج.
|