أختي الغالية..
إن الحب والوفاء والود والإخاء حقيقة وجدانية، بل أمرٌ فطري جبلت عليه النفوس البشرية، لا بل هو من الإيمان إن كان خالصاً للرحمن، فالأخوة الحقة والمحبة الصادقة تولّد في النفس أصدق العواطف النبيلة، وأخلص المشاعر الصادقة بلا تلفيق اعتذارات، ولا تنميق عبارات، بل صدقٌ في الحديث والمعاملة والنصح، يمسك الأخ بيد أخيه في رفق وحُنوٍ وشفقة، بِرٌ وصلة ووفاء، إيثار وعون في الشدة والرخاء، فلا ينساه من الدعاء، وكل ذلك دون تكلف أو شعور بالمشقة والعناء، بل في أريحية وحسن أداء وطلب الأجر من رب الأرض والسماء، أَيدٍ تتصافح وقلوبٌ تتآلف، أرواحٌ تتفادى، ورؤوسٌ تتعانق، وحقيقة الأخوة في الله لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء. قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان -وذكر منهن- أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله" (رواه البخاري)..
فضل الحب في الله: (أن المحبة في الله سبب لمحبة الله للعبد، أن الله يظل المتحابين فيه في ظله يوم لا ظل إلا ظله، أن الحب في الله والبغض في الله دليل على كمال إيمان العبد، أن الحب في الله سببٌ لذوق حلاوة الإيمان وطعمه، أن المرء بمحبته لأهل الخير يلتحق بهم، أن الله يكرم من أحب عبداً لله، أن المتحابين في الله على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء).
أختي الغالية..
إن المحبة لها آثار وتوابع ولوازم وأحكام، سواء كانت محبة محمودة أو مذمومة، نافعة أو ضارة، من الحلاوة والشوق والأُنس والاتصال والقرب والانفصال والبعد والصّد والهجران والفرح والسرور والبهاء والحزن وغير ذلك من لوازمها، فأما المحبة المحمودة فهي المحبة النافعة التي تجلب لصاحبها ما ينفعه في دنياه وأخراه، وهذه هي عنوان السعادة وتوابعها ولوازمها كلها نافعة لـه، فإن بكى نفعه، وإن حزن نفعه، وإن فرح نفعه، وإن انبسط نفعه، وإن انقبض نفعه، فهو يتقلب من مزيد إلى ربحٍ في منازل المحبة، والمحبة المذمومة هي التي تجلب لصاحبها ما يضره في دنياه وأخراه، وهي عنوان الشقاوة وتوابعها كلها ضارة مُبعدةٌ عن الله كيفما تقلب في منازلها فهو في خسارةٍ وبُعدٍ.
وهكذا هو الإعجاب الذي هو من الظواهر الخطيرة، والفتن الكبيرة التي كثُرت وعظم شأنها. لماذا؟!
فالإعجاب أو ما يسمى بالعشق والتعلق وهو: الإفراط في المحبة، تتركز فتنته ـ غالباً ـ على الشكل والصورة، أو انجذاب مجهول السبب، لكنه غير متقيد بالحب لله، ويدَّعى بعضهم أنها صداقة، وهي ليست كذلك؛ لأنها صداقة فاسدة لفساد أساس الحب فيها بعدم انضباطها بضوابط الشرع. والعشق رغم سهولة بداياته إلا أن نهايته انتكاس للعاشق، وخروج عن حدود الشرع، ولهذا كان بعض السلف يستعيذ بالله من العشق، فهو إفراط في الحب في أوله، وهو عبودية للمعشوق في نهايته، تضيع معها عبودية العبد لله.
فحذاري -أخيتي الغالية- من الانزلاق في هذا الطريق.. والله ينير بصيرتك ويهديك سواء السبيل..